فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} فيه وجهان:
أحدهما: بعضهم أنصار بعض، قاله قتادة وابن إسحاق.
والثاني: بعضهم وارث بعض، قاله ابن عباس وأبو مالك.
{إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ...} فيه تأويلان:
أحدهما: إلاَّ تناصروا أيها المؤمنون {تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ} يعني بغلبة الكفار.
{وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} بضعف الإيمان، قاله ابن اسحاق وابن جرير.
والثاني: إلاّ تتوارثوا بالإسلام والهجرة {تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ} باختلاف الكلمة.
{وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} بتقوية الخارج على الجماعة، قاله ابن عباس وابن زيد والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}
هذا حكم بأن الكفار ولايتهم واحدة، وذلك بجمع الموارثة والمعاونة والنصرة، وهذه العبارة ترغيب وإقامة للنفوس، كما تقول لمن تريد أن يستطلع: عدوك مجتهد، أي فاجتهد أنت، وحكى الطبري في تفسر هذه الآية عن قتادة أنه قال: أبى الله أن يقبل إيمان من آمن ولم يهاجر، وذلك في صدر الإسلام، وذلك أيضًا مذكور مستوعب في تفسير قوله عز وجل: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرًا} [النساء: 97].
والذي يظهر من الشرع أن حكم المؤمن التارك للهجرة مع علمه بوجوبها حكم العاصي لا حكم الكافر، وقوله تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [النساء: 97] إنما هي فيمن قتل مع الكفار، وفيهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا بريء من مسلم أقام بين المشركين لا تراءى ناراهما» الحديث على اختلاف ألفاظه وقول قتادة إنما هو فيمن كان يقوم متربصًا يقول من غلب كنت معه، وكذلك ذكر في كتاب الطبري والكشي، والضمير في قوله: {إلا تفعلوه} قيل هو عائد على الموارثة والتزامها.
قال القاضي أبو محمد: وهذا لا تقع الفتنة عنه إلا عن بعد وبوساطة كثيرة، وقيل هو عائد على المؤازرة والمعاونة واتصال الأيدي، وهذا تقع الفتنة عنه عن قرب فهو آكد من الأول، ويظهر أيضًا عوده على حفظ العهد والميثاق الذي يتضمنه: {إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق} [الأنفال: 72] وهذا إن لم يفعل فهي الفتنة نفسها، ويظهر أن يعود الضمير على النصر للمسلمين المستنصرين في الدين، ويجوز أن يعود الضمير مجملًا على جميع ما ذكر، والفتنة المحنة بالحرب وما أنجز معها من الغارات والجلاء والأسر، والفساد الكبير ظهور الشرك، وقرأ جمهور الناس {كبير} بالباء المنقوطة واحدة، وقرأ أبو موسى الحجازي عن الكسائي بالثاء منقوطة مثلثة وروى أبو حاتم المدني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {وفساد عريض}، وقرأت فرقة {والذين كفروا بعضهم أولى ببعض}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض}
فيه قولان:
أحدهما: في الميراث، قاله ابن عباس.
والثاني: في النصرة، قاله قتادة.
وفي قوله: {إلا تفعلوه} قولان:
أحدهما: أنه يرجع إلى الميراث، فالمعنى: إلاَّ تأخذوا في الميراث بما أمرتكم، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه يرجع إلى التناصر، فالمعنى: إلا تتعانوا وتتناصروا في الدين، قاله ابن جريج.
وبيانه: أنه إذا لم يتولَّ المؤمنُ المؤمنَ تولِّيًا حقًا، ويتبرأ من الكافر جدًا، أدَّى ذلك إلى الضلال والفساد في الدين.
فإذا هجر المسلم أقاربه الكفار، ونصر المسلمين، كان ذلك أدعى لأقاربه الكفار إلى الإسلام وترك الشرك.
قوله تعالى: {وفساد كبير} قرأ أبو هريرة، وابن سيرين، وابن السميفع: {كثير} بالثاء. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {والذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}
قطع الله الولاية بين الكفار والمؤمنين؛ فجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض، والكفار بعضهم أولياء بعض، يتناصرون بدينهم ويتعاملون باعتقادهم.
قال علماؤنا في الكافرة يكون لها الأخ المسلم: لا يزوّجها، إذ لا ولاية بينهما، ويزوّجها أهل ملّتها.
فكما لا يزوّج المسلمةَ إلا مسلم فكذلك الكافرة لا يزوّجها إلا كافر قريب لها، أو أسْقُف، ولو من مسلم؛ إلا أن تكون معتقة؛ فإن عُقد على غير المعتقة فُسخ إن كان لمسلم، ولا يعرض للنّصرانيّ.
وقال أَصْبَغ: لا يفسخ، عقدُ المسلم أولى وأفضل.
الرابعة قوله تعالى: {إِلاَّ تَفْعَلُوهُ} الضمير عائد على الموارثة والتزامها.
المعنى: إلا تتركوهم يتوارثون كما كانوا يتوارثون؛ قاله ابن زيد.
وقيل: هي عائدة على التناصر والمؤازرة والمعاونة واتصال الأيدي.
ابن جُريج وغيره: وهذا إن لم يفعل تقع الفتنة عنه عن قريب؛ فهو آكد من الأوّل.
وذكر الترمذِيّ عن عبد الله بن مسلم بن هُرْمز عن محمد وسعد ابني عبيد عن أبي حاتم المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».
قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟ قال: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه» ثلاث مرات.
قال: حديث غريب.
وقيل: يعود على حفظ العهد والميثاق الذي تضمنه قوله: {إِلاَّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ}.
وهذا وإن لم يفعل فهو الفتنة نفسها.
وقيل: يعود على النصر للمسلمين في الدين.
وهو معنى القول الثاني.
قال ابن إسحاق؛ جعل الله المهاجرين والأنصار أهل ولايته في الدِّين دون من سواهم، وجعل الكافرين بعضهم أولياء بعض.
ثم قال: {إِلاَّ تَفْعَلُوهُ} وهو أن يتوَلّى المؤمنُ الكافرَ دون المؤمنين.
{تَكُنْ فِتْنَةٌ} أي محنة بالحرب، وما انجر معها من الغارات والجلاء والأسر.
والفسادُ الكبير: ظهور الشرك.
قال الكسائِيّ: ويجوز النصب في قوله: {تَكُنْ فِتْنَةٌ} على معنى تكن فعلتكم فتنة وفسادًا كبيرًا.
{حَقًّا} مصدر، أي حَقّقوا إيمانهم بالهجرة والنُّصرة.
وحقق الله إيمانهم بالبشارة في قوله: {لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} أي ثواب عظيم في الجنة. اهـ.

.قال الخازن:

{والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} يعني في النصر والمعونة وذلك أن كفار قريش كانوا معادين لليهود فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم تعاونوا عليه جميعًا قال ابن عباس: يعني في الميراث وهو أن يرث الكفار بعضهم من بعض {إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} قال ابن عباس: إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به، وقال ابن جريج إلا تتعاونوا وتتناصروا وقال ابن إسحاق: جعل الله المهاجرين والأنصار أهل ولاية في الدين دون من سواهم وجعل الكافرين بعضهم أولياء بعض ثم قال سبحانه وتعالى إلا تفعلوه وهو أن يتولى المؤمن الكافر دون المؤمنين تكن فتنة في الأرض وفساد كبير فالفتنة في الأرض هي قوة الكفار والفساد الكبير هو ضعف المسلمين. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}
وقرأت فرقة أولى ببعض.
قال ابن عطية: هذا لجمع الموارثة والمعاونة والنصرة، وقال الزمخشري ظاهره إثبات الموالاة بينهم كقوله في المسلمين ومعناه نهي المسلمين عن الموالاة الذين كفروا وموارثيهم وإيجاب مساعدتهم ومصادقتهم وإن كانوا أقارب وإن يتركوا يتوارثون بعضهم بعضًا.
وقال غيره: لما ذكر أقسام المؤمنين الثلاثة وأنهم أولياء ينصر بعضهم بعضًا ويرث بعضهم بعضًا بين أن فريق الكفار كذلك إذ كانوا قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ينادي أهل الكتاب منهم قريشًا ويتربّصون بهم الدوائر فصاروا بعد بعثه يوالي بعضهم بعضًا وإلبًا واحدًا على الرسول صونًا على رئاساتهم وتحزّبًا على المؤمنين.
{أن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبِير}.
الضمير المنصوب في {تفعلوه} عائد على الميثاق أي على حفظه أو على النصر أو على الإرث أو على مجموع ما تقدم أقوال أربعة، وقال الزمخشري: أي إن لا تفعلوا ما أمرتكم به من تواصل المسلمين وتولي بعضهم بعضًا حتى في التوارث تفضيلًا لنسبة الإسلام على نسبة القرابة ولم تقطعوا العلائق بينكم وبين الكفار ولم تجعلوا قرابتهم كلا قرابة تحصل فتنة في الأرض ومفسدة عظيمة لأنّ المسلمين ما لم يصيروا يدًا واحدة على الشرك كان الشرك ظاهرًا والفساد زائدًا، وقال ابن عطية: والفتنة المحنة بالحرب وما انجرّ معها من الغارات والجلاء والأسر والفساد الكبير ظهور الشّرك، وقال البغوي: الفتنة في الأرض قوّة الكفر والفساد الكبير ضعف الإسلام، وقرأ أبو موسى الحجازي عن الكسائي: كثير بالثاء المثلثة وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرأ وفساد عريض. اهـ.

.قال أبو السعود:

{والذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}
آخرَ منهم أي في الميراث أو في المؤازرة وهذا بمفهومة مُفيدٌ لنفي الموارثةِ والمؤازرةِ بينهم وبين المسلمين وإيجابِ المباعدةِ والمصارمة وإن كانوا أقارب.
{إِلا تَفْعَلُوه} أي ما أُمرتم به من التواصل بينكم وتولِّي بعضِكم بعضًا حتى التوارثُ ومن قطع العلائق بينكم وبين الكفار {تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرض} أن تحصُل فتنةٌ عظيمة فيها وهي ضعفُ الإيمان وظهورُ الكفر {وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} في الدارين وقرئ كثير. اهـ.

.قال الألوسي:

{والذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}
آخر منهم أي في الميراث كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقال قتادة وابن إسحاق: في المؤازرة، وهذا بمفهومه مفيد لنفي الموارثة والمؤازرة بينهم وبين المسلمين وإيجاب ضد ذلك وإن كانوا أقارب، ومن هنا ذهب الجمهور إلى أنه لا يرث مسلم كافرًا ولا كافر مسلمًا، وأخرج ذلك ابن مردويه والحاكم وصححه عن أسامة رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك وقرأ الآية، ومن الناس من قال: إن المسلم يرث الكافر دون العكس وليس مما يعول عليه والفتوى على الأول كما تحقق في محله {إِلاَّ تَفْعَلُوهُ} أي إلا تفعلوا ما أمرتم به في الآيتين، وقيل: الضمير المنصوب للميثاق أو حفظه أو الإرض أو النصر أو الاستنصار المفهوم من الفعل والأولى ما ذكرنا، وفي الأخير ما لا يخفى من التكلف.
{تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرض} أي تحصل فتنة عظيمة فيها، وهي اختلاف الكلمة وضعف الإيمان وظهور الكفر {وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} وهو سفك الدماء على ما روي عن الحسن فالمراد فساد كبير فيها، وقيل: المراد في الدارين وهو خلاف الظاهر، وعن الكسائي أنه قرأ {كَثِيرٍ} بالمثلثة. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} أي: فلا يتولاهم إلا من كان منهم، ففيه إشارة إلى نهي المسلمين عن موالاتهم، وإيجاب مباعدتهم ومصارمتهم، وإن كانوا أقرب وقد استدل به على أنه لا توارث بين المسلمين والكفار.
روى الحاكم في مستدركه عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يتوارث أهل ملتين، ولا يرث مسلم كافرًا مسلمًا، ثم قرأ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} الآية، رواه الشيخان عنه بلفظ: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم».
وقوله تعالى: {إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} أي: إلا تفعلوا ما أمرتكم به من التواصل، وتولي بعضكم بعضا، ومن قطع العلائق بينكم وبين الكفار، تحصل فتنة في الأرض ومفسدة عظيمة، لأن المسلمين ما لم يصيروا يدًا واحدة على الشرك، كان الشرط ظاهرًا، والفساد زائدًا، في الإعتقادات والأعمال.
وقيل: الضمير المنصوب للميثاق أو حفظه أو النصر أو الإثبات. وقيل إنه للإستنصار المفهوم من الفعل، والفتنة: إهمال للمؤمنين المستنصرين بنا، حتى يسلط علينا الكفار، إذ فيه وهن للدين.؟
قال الشهاب: وفيه تكلف، أي: فالأوجه عوده للتولي والتواصل- كما بينا-.
قال الرازي: بيان هذه الفتنة والفساد عن وجوه:
الأول: أن المسلمين لو اختلطوا بالكفار في زمان ضعف المسلمين، وقلة عددهم وزمان قوة الكفار، وكثرة عددهم، فربما صارت تلك المخالطة سببًا لالتحاق المسلم بالكفار.
الثاني: أن المسلمين لو كانوا متفرقين لم يظهر منهم جمع عظيم، فيصير ذلك سببًا لجرأة الكفار عليهم.
الثالث: أنه إذا كان جميع المسلمين كل يوم في الزيادة في العدد والعدد صار ذلك سببًا لمزيد رغبتهم فيما هم فيه، ورغبة المخالف في الإلتحاق بهم. انتهى. اهـ.